"نوح..." قالت أخيرًا، وقد تلاشى صوتها، تاركةً الجملة غير مكتملة.
ساد صمت ثقيل، وبدأ قلب نوح يتسارع قليلًا وهو ينتظرها لتكمل كلامها.
جلست والدة نوح، كارولين، في غرفة المعيشة ذات الإضاءة الخافتة، والضوء الخافت المنبعث من التلفاز يتردد على وجهها.
كانت تعابير وجهها متوترة، ويداها مطويتين بإحكام في حجرها.
وبينما وقف نوح هناك يتأمل المشهد، شعر بعقدة تتشكل في معدته. كان هناك خطب ما.
"نوح، تعال إلى هنا. اجلس بجانبي،" قالت بصوت منخفض ولكن حازم.
ربتت على الوسادة بجانبها على الأريكة القديمة البالية—تلك التي امتلكوها لسنوات.
كان قماشها باهتًا، وكان نوح يتذكر المرات التي لا تحصى التي تمدد عليها عندما كان طفلًا، يشاهد الرسوم المتحركة أو يأخذ قيلولة بعد المدرسة.
تردد لجزء من الثانية، لكن لم يكن هناك مفر من هذا.
مهما كان ما ستخبره به والدته، فلم يكن جيدًا.
عبر الغرفة وجلس بجانبها، شاعرًا بهبوط الأريكة تحته.
كان قلبه يخفق بقوة في صدره، لكنه حافظ على هدوء ملامحه خارجيًا، منتظرًا أن تتكلم.
التفتت كارولين إليه، وثبتت عينيها في عينيه.
لقد اختفى الدفء المعتاد، واللين الذي كان يجده فيهما دائمًا.
كانت نظرتها حادة، وشفتاها مضمومتين في خط رفيع.
الصرامة التي علت وجهها جعلت نبض نوح يتسارع.
"أين كنت؟" سألت بصوت متقطع، شبه بارد.
رمش نوح، محاولًا تثبيت أنفاسه. "كنت في الخارج،" أجاب بصدق، محافظًا على هدوء وثبات صوته. "لقد دُعيت إلى العشاء."
ضاقت عينا كارولين، وكأنها كانت تقيّم كل كلمة من كلماته.
"من دعاك؟" سألت، وهي تميل قليلًا إلى الأمام. "صديق؟"
تردد نوح للحظة، مدركًا أن الموقف كان دقيقًا.
"شخص قابلته... مؤخرًا،" أجاب بحذر. "لست متأكدًا مما إذا كان يمكننا أن نعتبر أنفسنا أصدقاء."
بدا أن عينيها تخترقانه، قاطعةً أي غموض في إجابته.
"فتى أم فتاة؟"
"فتاة،" قال نوح بعد وقفة، مستعدًا لما هو قادم.
لم تتغير تعابير كارولين. حدقت فيه للحظة طويلة، والغرفة مثقلة بالتوتر الصامت.
ثم، انحنت قليلًا إلى الوراء، ويداها ما زالتا مقبوضتين بإحكام في حجرها.
"نوح،" قالت بهدوء، لكن كانت هناك حدة في صوتها، "أعلم أنك لم تكذب عليّ من قبل. لقد حرصت على تربيتك على القيم الصحيحة. أنت تعرف الصواب من الخطأ."
خفق قلب نوح. لطالما كانت والدته صارمة فيما يتعلق بالصدق، وهو لم يكذب عليها قط، ولا مرة واحدة.
لكن الليلة، شعر أنها كانت تبحث عن شيء أعمق. وكلماتها التالية أكدت شكوكه.
"أريدك أن تخبرني الحقيقة،" قالت بصوت ثابت ولكن مشوب بالقلق. "هل المال الذي كنت تستخدمه لجلب الطعام إلى هذا المنزل يأتي من تلك الفتاة؟"
تجمد نوح لثانية، وعقله يتسابق.
"لا بد أن إم قد زل لسانها وقالت شيئًا عن أميليا."
"ربما رآه أحد الجيران، وهو يركب سيارة أغلى بكثير من أن يمتلكها شخص من حيهم."
في كلتا الحالتين، كانت القطع قد تجمعت، والآن كانت والدته تجمع خيوط قصة اعتقدت أنها تحدث.
تنهد نوح في سره، والتفت إلى والدته، مقابلًا نظرتها.
"لا يا أمي،" قال بحزم، وصوته هادئ ولكن بإصرار. "المال الذي أستخدمه هو مالي. كل سنت منه. لم تعطني أي شيء، ولا حتى جنيهًا واحدًا. وقبل أن تسألي، المطعم الذي أحصل منه على الطعام لا يخصها أيضًا. أعدك."
بحثت عينا كارولين في وجهه، تبحثان عن أي تلميح لعدم الصدق.
لكن نوح ثبت نظره في عينيها بثبات، رافضًا التردد. لم يكذب عليها قط، ولم يكن على وشك أن يبدأ الآن.
"لم أكذب عليكِ قط يا أمي،" تابع نوح بهدوء. "ولن أكذب الآن. نحن بالكاد نعرف بعضنا في هذه المرحلة. الليلة كانت المرة الأولى التي أذهب فيها إلى منزلها. أراد والدها فقط أن يشكرني لمساعدتها في مشكلة واجهتها، هذا كل ما في الأمر."
درسته كارولين للحظة طويلة، وعيناها ما زالتا حادتين، لكن القسوة في وجهها بدأت تلين.
ببطء، انفصلت شفتاها في زفرة هادئة، وأغمضت عينيها، وغمرها شعور بالارتياح.
"شكرًا لك يا نوح،" قالت بهدوء، وصوتها مفعم بالعاطفة. "كنت قلقة حقًا... ظننت أنك ربما أصبحت 'شوجر بيبي' أو أيًا كان ما يسمونه. أنت تعرف شعوري تجاه هذه الأمور. لطالما كنت فتى وسيمًا، وكانت هناك الكثير من الفتيات في الماضي حاولن استغلال ذلك."
أطلق نوح ضحكة قصيرة، شبه مصدومة.
ومضت ذكرى تلك السنوات المحرجة في ذهنه للحظة—لطالما كانت والدته مصابة بجنون الارتياب بشأن الفتيات اللاتي يحاولن التلاعب به بسبب مظهره.
"أجل، أتذكر يا أمي،" قال، وابتسامة خفيفة ترتسم على شفتيه.
ابتسمت كارولين أيضًا، وإن كانت ابتسامة عابرة. مدت يدها ووضعتها على يده، وضغطت عليها برفق.
"أنا فقط أحاول حمايتك يا نوح."
"أعلم،" قال بهدوء. "لكن لا داعي للقلق. لقد سيطرت على الأمر."
للحظة، بدت الغرفة أخف. بدا التوتر الذي كان كثيفًا من قبل يتلاشى، وشعر نوح بالثقل يزول عن صدره.
ولكن مع ذلك، كانت والدته لا تزال تبدو متعبة، ووجهها متغضن من إجهاد مخاوفها.
"هل هناك أي شيء آخر يا أمي؟" سأل نوح بلطف. "يجب أن تنالي قسطًا من النوم. تبدين متعبة، وأنا متعب بعض الشيء أيضًا. لدي مدرسة غدًا."
أومأت كارولين برأسها، وعيناها تتدليان قليلًا من التعب. "أنت على حق،" قالت، مع أن صوتها كان أكثر نعومة الآن. "سأذهب إلى الفراش بعد دقيقة."
وقف نوح، وتمدد قليلًا. "بالمناسبة،" قال بابتسامة صغيرة، "لدي مفاجأة لكِ غدًا. أعتقد أنها ستعجبك."
ارتفع حاجبا كارولين قليلًا بفضول. "مفاجأة؟"
"سترين،" قال نوح، واتسعت ابتسامته وهو يخطو نحو غرفته. "تصبحين على خير يا أمي. نومًا هنيئًا."
"تصبح على خير يا نوح،" قالت بهدوء، وهي تراقبه يختفي في الممر. أُغلق باب غرفته خلفه بصوت طقة خفيفة.
دخل نوح غرفته وتنهد بعمق، وشعر بثقل اليوم يدركه أخيرًا.
بين نتائج الامتحان، والعشاء غير المتوقع، والحديث مع والدته، شعر بأنه مستنزف تمامًا.
قرر أنه بحاجة إلى شيء يساعده على الاسترخاء، فاتجه إلى الحمام.
اندفع الماء الساخن من رأس الدش، وملأ البخار الغرفة، وغطى المرآة بالضباب.
خطى نوح تحت تيار الماء، تاركًا الدفء يغمره.
بينما كان الماء ينسكب على كتفيه، شعر بعضلاته تبدأ في الاسترخاء، والتوتر يذوب.
أغمض عينيه، وترك عقله يسرح، محاولًا الانفصال عن ضجيج اليوم.
لبضع لحظات، كان الصوت الوحيد الذي ركز عليه هو تدفق الماء والإحساس المهدئ الذي جلبه له.
بعد ما بدا وكأنه أبدية صغيرة، أغلق نوح الماء على مضض، وخرج من الحمام.
لفحه الهواء البارد، فارتجف قليلًا، ولف منشفة حول نفسه.
وبينما كان ينظف أسنانه أمام المرآة المغطاة بالضباب، وانعكاسه بالكاد مرئيًا، شعر بمزيد من السلام.
كان عقله أهدأ الآن، وقد تلاشى إجهاد اليوم، على الأقل في الوقت الحالي.
عندما أصبح جاهزًا للنوم، دخل تحت الأغطية، وسحب هاتفه من على الطاولة بجانب السرير.
بدأ يتصفح رسائله، وهي عادة اكتسبها قبل الذهاب إلى النوم.
ألقى نظرة على بعض الإشعارات، وتفقد تطبيقاته المعتادة، لكن إصبعه توقف بعد ذلك فوق محادثة معينة. سارة.