كان العالم ينهار نحو غياهب النسيان.
كان كل شيء يُلتهم بظلام عالم الأرواح القمعي... ولم يكن هناك مفر.
ومع ذلك، استمر الأبطال الشجعان في القتال.
كان ذلك قدرهم.
أن يموتوا وهم يقاتلون.
وماتوا بالفعل.
لقد خُسرت حرب مسار السماء رسمياً.
”مـ... مستحيل“، همست امرأة وهي تسقط على ركبتيها.
كانت عيناها اللازورديتان تفقدان بريقهما ببطء، والتصق شعرها الأبيض الثلجي بوجهها الرطب الملطخ بالدماء.
كانت هناك فجوة متسعة في صدرها حيث كان يجب أن يكون قلبها، كما كانت ذراعها اليمنى مبتورة أيضاً.
درعها الذهبي المشع كان الآن محطماً، منبعجاً، ومبقّعاً بالدماء في بعض الأماكن. بشرتها الشاحبة التي كانت يوماً ما خالية من العيوب، شوهتها الآن الكدمات والندوب.
حولها، كان العالم يشتعل، وتُمحى معالمه ببطء من الوجود بلهيب الجحيم الأسود.
كان كل حلفائها صرعى. قائدها مات أيضاً. الأشخاص الذين أحبتهم، أصدقاء طفولتها، عائلتها التي وجدتها...
رحل الجميع.
موتى.
في ساحة المعركة هذه التي هجرتها حتى الآلهة، كانت هي الوحيدة التي لا تزال على قيد الحياة.
ثم، في لحظة، ظهر شخص ما أمامها. أسرع من أن تلاحظه وأقوى من أن تقاومه.
رفعت نظرها، وأسنانها تصطك بغضبٍ عاجز. أرادت أن تصرخ لاعنةً إياه، لكن القوة كانت قد فارقت جسدها منذ زمن بعيد.
أمامها وقف رجل طويل القامة.
...إلا أنه لم يكن رجلاً.
كانت بشرته بيضاء بشكل غير طبيعي، وبرز من صدغيه قرنان بلوريان داكنان، ينحنيان حول جمجمته كنوع من التاج الإلهي.
ارتدى درعاً حالك السواد لدرجة أنه امتص الضوء من حوله، ملقياً بظلاله على كل من تجرأ على الاقتراب منه.
انبثقت من ظهره أجنحة ضخمة تشبه أجنحة الخفافيش، كان امتدادها الجلدي أبيض شبحياً مثل بشرته. انسدل شعره الكتاني الطويل حتى خصره، متدفقاً كالذهب المصهور.
كانت عيناه تحدقان بالمرأة، متقدتين كشمسين ببؤبؤين أسودين مشقوقين في مركزيهما.
بدا كإلهٍ غاضب يطالع الخطاة من السماوات.
كان هذا هو الرجل... المخلوق... الذي فعلها.
فعل المستحيل.
لقد هزم البشرية. سحق الملوك. والأهم من ذلك، قتل كل المقدَّر لهم.
كان هو أمير الشياطين العاشر.
الأقوى بين كل المدنَّسين.
الابن النغل للإله الزائف.
كان هو نذير الموت الأقدم.
”لقد انتهى الأمر. أنهي صراعك المثير للشفقة“، أعلن المخلوق وكأنه يصدر مرسوماً إلهياً. احتوى صوته على سلطة قوية أجبرت أي شخص يستمع إليه على الانحناء تبجيلاً. ”لقد خسرتِ“.
قبض على يديه، وللحظة، بدا عليه الأسى... تقريباً.
”لو كنتِ أقوى قليلاً فحسب“، تمتم بعدها، وكان همسه مثقلاً بالوقار.
تحدث بنبرة تشبه نبرة رجل أُجبر على سحق حشرة مزعجة تجرأت على سد الطريق الذي يسير فيه.
قتل مخلوق تافه كهذا بالكاد يستدعي اهتمامه.
لن تشعر بالحزن لدهسك مستعمرة نمل، أليس كذلك؟
ومع ذلك، شعر بوخزة ندم لإزهاقه هذا العدد الكبير من الأرواح، مهما كانت تافهة.
الشفقة. كان ذلك هو الشعور. ليس حزناً، وليس انزعاجاً - لقد شعر بالشفقة فحسب.
المرأة التي أمامه وجدت أخيراً القوة لإطلاق صوت مرتعش. ”خـ-خائن... أيها الخائن اللعين!“.
لكن أمير الشياطين كان قد فقد أي اهتمام بها بالفعل.
فرقع أصابعه، فانفجرت المحاربة ذات الشعر الأبيض ألسنة لهبٍ سوداء، ومُحيت من الوجود في لحظة.
ما تلا ذلك كان فترة طويلة من الصمت الموحش.
ثم...
”...أ-أنت لم تستطع التعايش مع فشلك، أليس كذلك؟“.
فجأة، سمع الأمير العاشر صوتاً آخر، ضعيفاً وواهناً، وكأنه يعود لامرأة على شفا الموت.
استدار بحدة وضيق عينيه في دهشة. كانت هناك امرأة أخرى ملقاة على بعد أقدام قليلة منه في ساحة المعركة المدمرة، نصف مدفونة تحت جثث شعبها.
”نجا شخص آخر؟“ رفع أمير الشياطين حاجبه، ومزيج من الصدمة والفضول ارتسم بوضوح على وجهه الآسر بجمالٍ مدنَّس.
تلك المرأة كان لها شعر أشقر رمادي طويل لا بد أنه بدا أنيقاً يوماً ما. أما الآن فقد كان محروقاً وأشعث.
كان من الصعب تمييز هيئتها الكاملة وهي مدفونة تحت جبل من الجثث، لكن لا بد أنها كانت طويلة ورشيقة.
الآن كان جسدها محطماً وممزقاً.
عيناها، بلون بنفسجي آسر، كانتا قد فقدتا بريقهما. ومع ذلك، فقد ثبتتا على أمير الشياطين بحدة غريبة.
لكن كان هناك شيء آخر... شيء على جبهتها.
...عين ثالثة.
عين ثالثة شفافة مصنوعة من طاقة طيفية نقية. كانت بناءً أثيرياً قادراً على التحديق فيما وراء حجاب الواقع المتقلب.
كانت حاملة عين الإلهة.
آه، الآن أصبح الأمر منطقياً كيف نجت.
كانت واحدة من المقدَّر لهم. الأخيرة، في الواقع.
”...لا بد أن ماضيك يطاردك“، قالت بصوت أجش، وكان صوتها مجهداً ومنهكاً. ”ومستقبلك أكثر قتامة. أنا أشفق عليك“.
”الشفقة؟ عليّ أنا؟“ كاد أمير الشياطين أن يضحك، غير مصدق. ”هل فقدتِ عقلكِ، يا فانية؟ ليس لدي أي فكرة عما تتحدثين عنه“.
لكنها تجاهلته وواصلت الحديث:
”سعيك لتصبح إلهاً... أليس مجرد وعد فارغ من القدر؟ لقد خُدعت وخُنت من قبل. فلماذا إذن، ورغماً عن كل منطق، تحاول التعدي على عالم الآلهة؟“.
كان أمير الشياطين في حيرة حقيقية الآن.
عمّ كانت تتحدث؟ هل فقدت صوابها حقاً قبل أن تفقد حياتها؟
هز رأسه، ورفع يده ليمحو وجودها بفرقعة واحدة.
”أرى إذن“، تنهدت، غير مبالية بموتها الوشيك. ”ليكن. سأخبرك بمصيرك...“.
أخذت المرأة نفساً أخيراً، مستجمعة كل ذرة من قوة الإرادة المتبقية في جسدها المنهك... لتتنبأ بنبوءتها الأخيرة بصوت أجش وحاد:
”في رحم الظلالِ، ملعونٌ قد وُلِد، وبقلبٍ بالثأرِ للأبدِ اتّقد.
بصفقةٍ مُلتويةٍ وقاتمةٍ كان مُقيّدا، وفي دروبٍ خبا فيها النجمُ وتبدّدا.
من عوالمِ الأسى، سعى للفرار، وذاكرتُهُ ضاعت في بحرِ الخلودِ والأقدار.
لكنّ القدرَ سيعيدُهُ مرةً أخرى، ليمشيَ على ذاتِ الخطى التي سارها دهراً.
بهيئةٍ مجهولةٍ، سيلعبُ الدور، وجاهلٌ هو بروحِهِ المحطمةِ على مرِّ العصور.
وحينَ تجتمعُ خيوطُ الأقدار، سيصوغُ خيارٌ نهايةَ الأحلامِ والأسفار.
دربُ شريرٍ أم فضلُ بطل؟ روحٌ واحدةٌ ستقهرُ الزمانَ والمكانَ بلا كلل.
قلبٌ مظلمٌ كان، والآن أنفاسُ العالمِ الأخيرة، ليجلبَ ميلاداً أبدياً... أو موتاً لا نهايةَ له ومصيراً“.
كان الأمير في حيرة من أمره. عاجزاً عن الكلام تماماً.
لماذا تتنبأ هذه المرأة الآن؟
وماذا يعني كل هذا؟
قالت إنها ستخبره بمصيره، لكنه لم يطلب ذلك!
كان يعلم أن حاملة عين الإلهة هي عرّافة.
عرافة أسطورية.
ولكن هل كان هذا هو الوقت المناسب حقاً لإطلاق النبوءات؟ وهي على حافة الموت؟
ولماذا كل العرافين العظماء يلقون نبوءاتهم بطريقة شعرية معقدة وغير منطقية؟! لماذا لا يستطيعون التحدث بشكل طبيعي فحسب؟!
في اللحظة التالية، فرقع أمير الشياطين أصابعه، فتلاشت هي الأخرى من الوجود، ولم تترك ألسنة اللهب السوداء خلفها حتى الرماد.
”امرأة غريبة“، تمتم قبل أن يرفرف بجناحيه المهيبين ويطير مبتعداً في لمح البصر.
لقد انتهى الأمر.
مات الملوك، وهُزم الأبطال، وحتى الآلهة تخلت عن هذا العالم لتختبئ خلف بوابات السماء.
لقد انتصر ذاك الذي كان.
الآن... حان وقت غزو مملكة الآلهة.

مشاركة Pro Manga
مع أصدقائك
انضم إلى وسائل التواصل الاجتماعي
Discord Image Link
Discord

التعليقات

Young Master's PoV: Woke Up As A Villain In A Game One Day الفصل 1 - Pro Manga | برو مانجا